فصل: الاقليم السادس

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: آثار البلاد وأخبار العباد **


 الاقليم السادس

أوله حيث يكون الظل نصف النهار عند الاستواء سبعة أقدام وستة أعشار وسدس عشر قدم ويفضل ظل آخره على أوله بقدم واحد فقط‏.‏

ويبتديء من مساكن ترك المشرق من قانى وتون وخرخيز وكيماك والتغزغز وأرض التركمان وبلاد الخزر واللان والسرير يمر على القسطنطينية والرومية الكبرى وبلاد المان وافرنجة وشمال الأندلس حتى ينتهي إلى بحر المغرب وأطول نهار هؤلاء في أول الإقليم خمس عشرة ساعة ونصف وآخره خمس عشرة ساعة ونصف وربع‏.‏

وطوله في وسطه من المشرق إلى المغرب سبعة آلاف ميل ومائة وخمسة وسبعون ميلاً وثلاث وستون دقيقة‏.‏

وعرضه مائتا ميل وخمسة عشر ميلاً وتسع وثلاثون دقيقة‏.‏

وتكسيره ألف ألف ميل وستة وأربعون ألف ميل وعشرون ميلاً وكذا دقائق‏.‏

ولنذكر شيئاً من أحوال المدن الواقعة فيه مرتبة على حروف المعجم‏.‏

والله الموفق‏.‏

 أبولدة

مدينة بأرض الفرنج عظيمة مبنية بالحجارة‏.‏لا يسكنها إلا الرهبان ولا تدخلها امرأة لأنه أوصى شهيدها بذلك واسم شهيدها باج الب زعموا أنه كان أسقفاً بافرنجة فتشاجر أهلها وأتى هذا الموضع وبنى هذه المدينة‏.‏

وهي كنيسة عظيمة معتبرة عند النصارى حكى الطرطوشي قال‏:‏ ما رأيت في جميع بلاد النصارى أعظم منها ولا أكثر ذهباً وفضة‏.‏

وأكثر أوانيها كالمجامر والكؤوس والأباريق والقصاع من الذهب والفضة‏.‏

وبها صنم من فضة على صورة شهيدها وجهه إلى المغرب وبها صنم آخر من ذهب وزنه ثلاثمائة رطل ملصق ظهره بلوح واسع عريض جداً قد كلل بالياقوت والزمرد وهو مفتوح اليدين على شكل المصلوب وهو صورة المسيح عليه السلام‏.‏

وبها من صلبان الذهب والفضة وألواح الآثار كلها من الذهب والفضة قد كلل بالياقوت‏.‏

اشت مدينة بأرض الإفرنج حكى العذري أن بهذه المدينة عادة عجيبة وهي أن أهلها إذا اشتروا متاعاً كتبوا ثمنه عليه وتركوه في دكانهم فمن وافقه بذلك الثمن أخذه وترك ثمنه مكانه‏.‏

ولحوانيتهم حراس فمن ضاع منه شيء غرموا الحارس قيمته‏.‏

 أفرنجة

أرض واسعة في آخر غربي الإقليم السادس‏.‏ذكر المسعودي أن بها نحو مائة وخمسين مدينة‏.‏قاعدتها باريس‏.‏

وإن طولها مسيرة شهر وعرضها أكثر وإنها غير خصبة لكونها رديئة المحرث قليلة الكرم معدومة الشجر‏.‏

وأهلها الإفرنج وهم نصارى أهل حرب في البر والبحر ولهم صبر وشدة في حروبهم لا يرون الفرار أصلاً لأن القتل عندهم أسهل من الهزيمة ومعاشهم على التجارات والصناعات‏.‏

افش مدينة في بلاد الإفرنج مبنية بالصخور المهندمة على طرف نهر يسمى نهر افش‏.‏

بها جمة غزيرة الماء جداً‏.‏

عليها بيت واسع الفضاء يستحم فيه أهلها على بعد من الجمة خوفاً من شدة سخونة الماء الذي يفور من الجمة‏.‏

انطرحت مدينة بأرض الفرنج عظيمة واسعة الرقعة‏.‏

أرضها سبخة لا يصلح فيها شيء من الزروع والغراس ومعاشهم من المواشي ودرها وأصوافها‏.‏

وليس ببلادهم حطب يشعلونه بحاجاتهم وإنما عندهم طين يقوم مقام الحطب وذاك أنهم يعمدون في الصيف إذا خفت المياه إلى مروجهم ويقطعون فيها الطين بالفؤوس على شكل الطوب فيقطع كل رجل منها مقدار حاجته ويبسطه في الشمس ينشف فيكون خفيفاً جداً فإذا عرض على النار يشتعل وتأخذ فيه النار كما تأخذ في الحطب‏.‏

وله نار عظيمة ذات وهج عظيم كنار كير الزجاجين وإذا احترقت قطاعة لا جمر لها بل لها رماد‏.‏

 ايرلاندة

جزيرة في شمالي الإقليم السادس وغربيه قال العذري‏:‏ ليس للمجوس قاعدة إلا هذه الجزيرة في جميع الدنيا ودورها ألف ميل وأهلها على رسم المجوس وزيهم يلبسون برانس قيمة الواحد منها مائة دينار‏.‏

وأما أشرافهم فيلبسون برانس مكللة باللآليء‏.‏

وحكي أن في سواحلها يصيدون فراخ الأبلينة وهو نون عظيم جداً يصيدون أجراءها يتأدمون بها‏.‏

وذكروا أن هذه الأجراء تتولد في شهر أيلول فتصاد في تشرين الأول والثاني وكانون الأول والثاني في هذه الأشهر الأربعة وبعد ذلك يصلب لحمها فلا يصلح للأكل‏.‏

أما كيفية صيدها فقد ذكر العذري أن الصيادين يجتمعون في مراكب ومعهم نشيل كبير من حديد ذو أضراس حداد وفي النشيل حلقة عظيمة قوية وفي الحلقة حبل قوي فإذا ظفروا بالجرو صفقوا بأيديهم وصوتوا فيتلهى الجرو بالتصفيق ويقرب من المراكب مستأنساً بها فينضم أحد الملاحين إليها ويحك جبهته حكاً شديداً فيستلذ الجرو بذلك ثم يضع النشيل وسط رأسه ويأخذ مطرقة من حديد قوية ويضرب بها على النشيل بأتم قوة ثلاث ضربات فلا يحس بالضربة الأولى وبالثانية والثالثة يضطرب اضطراباً شديداً فربما صادف بذنبه شيئاً من المراكب فيعطبها ولا يزال مضطرب حتى يأخذه اللغوب‏.‏

ثم يتعاون ركاب المراكب على جذبه حتى يصير إلى الساحل‏.‏

وربما أحست أمر الجرو باضطرابه فتتبعهم فيستعدون بالثوم الكثير المدقوق ويخوضون به الماء فإذا شمت رائحة الثوم استبعثتها ورجعت القهقرى إلى خلف ثم يقطعون لحم الجرو ويملحونه‏.‏

ولحمه أبيض كالثلج وجلده أسود كالنقس‏.‏

 باكويه

مدينة بنواحي دربند بقرب شروان‏.‏بها عين نفط عظيمة تبلغ قبالتها في كل يوم ألف درهم وإلى جانبها عين أخرى تسيل بنفط أبيض كدهن الزئبق لا تنقطع نهاراً ولا ليلاً تبلغ قبالتها مثل الأولى‏.‏

من عجائبها ما ذكر أبو حامد الأندلسي أن بها أرضاً ليس في ترابها حرارة كثيرة يجدها الإنسان والناس يصيدون الغزلان وغيرها ويقطعون لحمها ويجعلونه في جلودها مع الملح وما شاؤوا من الأبازير ويأخذون أنبوبة من القصب الغليظ النافذ ويشدون القصب على جلد الصيد ويدفنونه تحت ذلك التراب ويتركون القصب جارجاً فتخرج مائية اللحم كلها من القصبة فإذا نفدت المائية علموا أن اللحم قد نضج فيخرجونه وقد تهرأ‏.‏

وحكى بعض التجار انه رأى بها ناراً لا تزال تضطرم ولا تنطفيء لأن موضعها معدن الكبريت‏.‏

وحكى أبو حامد الأندلسي أن بقر باكويه جبلاً أسود في سنامه شق طويل يخرج منه الماء ويخرج مع ذلك الماء مثل صناج الدانق من النحاس وأكبر أو أصغر يحملها الناس إلى الآفاق للتعجب‏.‏

باني وأريشة مدينتان بأرض الفرنج سميتا باسم بانيهما‏:‏ أما باني فاسم ملك تلك الناحية في قديم الدهر وأريشة اسم زوجته‏.‏

أما مدينة الباني فمدينة شريفة في وسطها سارية من رخام وعلى تلك السارية صورة باني كأنه ينظر إلى البحر إلى إقبال مراكبه من إفريقية‏.‏

وعلى ميل من مدينة باني مدينة أريشة وفي وسط المدينة سارية من رخام عليها صورة أريشة صور جميعاً من برذيل مدينة بناحية افرنجة كثيرة المياه والأشجار والفواكه والحبوب‏.‏

أكثر أهلها نصارى‏.‏

بها بنيان منيفة على سوار عظيمة وفي سواحل هذه المدينة يوجد العنبر الجيد‏.‏

وحكي أنهم إذا أصابهم كلب الشتاء وامتنع عليهم ركوب البحر مشوا إلى جزيرة بقربهم يقال لها انواطى بها نوع من الشجر يسمى مادقة فإذا أصابهم الجوع قشروا هذه الشجرة فوجدوا بين لحائها وخشبها شيئاً أبيض فاقتاتوا بها الشهر والشهرين وأكثر حتى يطيب الهواء‏.‏

بها جبل مشرف عليها وعلى البحر المحيط وعليه صنم وذلك كأنه يخبر الناس بترك التعرض لسلوك البحر المحيط لئلا يطمع أحد ممن خرج من برذيل بركوب البحر الذي عنده طمع في سلوكه‏.‏

 برطاس

ولاية واسعة بالخزر مفترشة على نهر اتل أهلها مسلمون لهم لغة مغايرة لجميع اللغات أبنينهم من الخشب يأوون إليها في الشتاء وأما في الصيف فيفرشون في الخرقاهات‏.‏

بها نوع من الثعالب في غاية الحسن كثير الوبر أحمر اللون جلودها الفراء البرطاسية‏.‏

والليل عندهم قليل في الصيف يكون مقدار ساعة لأن السائر لا يتهيأ له أن يسير فيه أكثر من فرسخ‏.‏

 بلاد بجناك

هم قوم من الترك في الإقليم السادس في شماليه قرب الصقالبة‏.‏وهم قوم طوال اللحى اولو اسبلة طويلة‏.‏

عندهم كثرة وقوة ومنعة لا يؤدون الخراج إلى أحد أصلاً ويغير بعضهم على بعض كالسباع ويفترشون نساءهم بمرأى الناس لا يستقبحون ذلك كالبهائم ومأكولهم الدخن‏.‏

وبلادهم مسيرة اثني عشر يوماً‏.‏

 بلاد بجا

هم قوم من الترك بلادهم مسيرة شهر وهم مشركون يسجدون لملكهم ويؤدون الاتاوة إلى الطحطاح ويعظمون البقر ولا يأكلونها تعظيماً لها‏.‏

وبلادهم كثيرة العنب والتين والزعرور الأسود وفيها ضرب من الشجر لا تأكله النار ولهم أصنام من ذلك الخشب يأخذ الطرقيون من النصارى ذلك الخشب ويزعمون أنه من الجذع الذي صلب عليه عيسى عليه السلام‏.‏

 بلاد بغراج

قوم من الترك لهم اسبلة بغير لحى وبلادهم مسيرة شهر لهم ملك عظيم الشأن يذكر أنه علوي من ولد يحيى بن زيد وعندهم مصحف مذهب على ظهره أبيات في مرثية زيد وهم يعبدون ذلك المصحف وزيد عندهم ملك العرب وعلي بن أبي طالب إله العرب ولا يملكون أحداً إلا من نسل ذلك العلوي‏.‏

وإذا استقبلوا السماء فتحوا أفواههم وشخصوا أبصارهم ويقولون‏:‏ إن إله العرب ينزل منها ويصعد إليها‏.‏

ومعجزة هؤلاء الملوك الذين هم من نسل زيد طول اللحية وقيام الأنف وسعة العين‏.‏

ولهؤلاء القوم عساكر فرسان ورجالهم كثيرة وصنعتهم عمل السلاح يعملون منه آلات حسنة جداً‏.‏

وغذاؤهم دخن ولحوم الضأن الذكر وليس في بلادهم بقر ولا معز أصلاً‏.‏

ولباسهم اللبود لا يلبسون غيرها‏.‏

ولهم عادة أن من اجتاز بهم يأخذون عشر ماله‏.‏

 بلاد تاتار

هم جيل عظيم من الترك سكان شرقي الإقليم السادس أشبه شيء بالسباع في قساوة القلب وفظاظة الخلق وصلابة البدن وغلظ الطبع وحبهم الخصومات وسفك الدماء وتعذيب الحيوان وخروجهم من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما رواه أبو بردة عن أبيه قال‏:‏ كنت جالساً عند رسول الله عليه السلام فسمعته يقول‏:‏ إن أمتي يسوقها قوم عراض الوجوه صغار الأعين كأن وجوههم المجان المطرقة ثلاث مرات حتى يلحقوهم بجزيرة العرب أما السابقة فينجو من هرب منهم وأما الثانية فيهلك بعض وينجو بعض وأما الثالثة فيهلك كلهم‏.‏

قالوا‏:‏ من هم يا رسول الله قال‏:‏ هم الترك أما والذي نفسي بيده لتربطن خيولهم إلى سواري مساجد المسلمين‏!‏ وعنه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ان لله جنوداً بالمشرق اسمهم الترك ينتقم بهم ممن عصاه فكم من حافيات حاسرات يسترحمن فلا يرحمن فإذا رأيتم ذلك فاستعدوا للقيامة وأما الديانات فليسوا منها في شيء وليس عندهم حل ولا حرمة يأكلون كل شيء وجدوه ويسجدون للشمس ويسمونها إلهاً ولهم لغة مخالفة لسائر الأتراك وقلم يكتبون به مخالف لسائر الأقلام‏.‏

حكت امرأة قالت‏:‏ كنت في أسرهم مدة فاتفق أن الرجل الذي سباني مرض فقال أقاربه فيما قالوا‏:‏ لعل هذه المرأة أطعمته شيئاً‏.‏

فهموا بقتلي والمريض كان يمنعهم من قتلي فاجتمعوا يوماً اجتماعاً عظيماً وأحضروا معزاً أركبوني عليها وجاءت امرأة ساحرة بمنجل في يدها تديره وتقرأ شيئاً والجمع قيام عندي بالسيوف المسلولة فإذا المعز تحتي صاحت صيحة فرجع القوم وخلوا سبيلي وقالوا‏:‏ ليس هذا كما ظننا‏.‏هم قوم من الترك بلادهم مسيرة عشرين يوماً وليس لهم بيت عبادة‏.‏

يعظمون الخيل ويحسنون القيام عليها ويأكلون المذكى وغير المذكى ويلبسون القطن واللبود ولهم عيد عند ظهور قوس قزح‏.‏

ولهم ملك عظيم الشأن له خيمة على أعلى قصره من ذهب تتسع لألف إنسان ترى من خمسة فراسخ‏.‏

وبها حجر الدم وهو حجر إذا علق على إنسان كصاحب الرعاف أو غيره ينقطع دمه‏.‏